30 - 06 - 2024

عجاجيات | طبيب الفلاسفة

عجاجيات | طبيب الفلاسفة

كنت طوال سنوات طفولتى التى عشتها فى درب المواهى أحد دروب حارة السقايين اشهر حارات حى عابدين الملكى الذى تهفو اليه نفوس كل من ولد وعاش فيه ولعب فى ميدانه وجلس على واحد من مقاهيه الشهيرة مثل مقهى موسى عطية او مقهى الغندور او مقهى الانشراح او مقهى عوض او مقهى عبدالنبي.. اقول كنت طوال سنوات طفولتى زبونا مستديما عند الدكتور على عبده الذى حفر اسمه فى سجلات عابدين كواحد من أشهر أطبائها إلى جانب دكتور حيدر ودكتور الصيرفى....

كان الدكتور على عبده رحمه الله شخصية قل أن يجود الزمان بمثلها، اذ كان طبيبا نابغة يصف الدواء الذى تظهر آثاره الإيجابية على أطفال عابدين بعد أول جرعة أو جرعتين بالكثير...

غير أن النبوغ الطبى لم يكن الشيء الوحيد الذى يميز الدكتور على عبده إذ كان صاحب فلسفة قوامها  الدنيا فانية وعلينا أن نعيشها ونحن نؤمن بأنها لن تدوم لنا، ولن يبقى منا إلا السيرة.

وبالفعل رحل الدكتور على عبده طبيب الفلاسفة وبقيت سيرته العطرة، فالكل يتذكر أنه كان يتقاضى بضعة قروش نظير الكشف، وفى أحيان كثيرة يتنازل عن اجره ويمنح أهل الطفل المريض الدواء أو قيمته.. والكل يتذكر أنه كان بسيطا جدا وكثيرا ما قابل زبائنه ببنطلون بيجاما  وفانلة بحمالات، إذ كانت عيادته غرفة فى شقته التى يسكن بها وكانت استراحة المرضى فى صالون منزله....

والكل يتذكر أن الدكتور على عبده كان أقرب للفلاسفة وهو يقدم النصائح لأهالى الأطفال المرضى ومنها: يا حاجة شربى ابنك قهوة، فالقهوة منبهة ومنشطة...واعطيه قطعة لحمة ملبسة تغذيه وتقويه ويأكل موز فالموز كله فوائد.. وانصحك يا حاجة تطبطبى على ابنك وتاخديه فى حضنك حسسية بالأمان ولا تضريبه إذا نسي جدول الضرب فمسيره سيحفظه .

تذكرت الدكتور على عبده الذى كنا نعتبره فى عابدين طبيب الفلاسفة أو فيسلوف الطب وأنا أتابع أنشطة الأستاذ الدكتور حسام موافى طبيب الباطنة المتميز والذى يمكن أن نطلق عليه طبيب الفلاسفة العصر الحاضر.. فالرجل أصبح يقدم نصائح  فى التنمية البشرية والدروس الدينية وأصبح له محبون ومريدون....وأصبح يتكلم فى كل فروع الطب وشئون الحياة....

الفارق كبير بين الدكتور على عبدهطبيب فلاسفة عابدين فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى والدكتور حسام موافى طبيب فلاسفة أيامنا هذه.. فالأول عاش ورحل قبل اختراع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى من فيسبوك وماسنجر وواتس اب ويوتيوب، والثانى حقق انتشارا واسعا بفضل هذه الوسائل وربما انعكس ذلك على مكاسبه المادية

المؤكد ان الفلسفة والقدرة على التفلسف تصبح بلا قيمة بدون النجاح والتفوق فى التخصص الاصلى.. فلا قيمة لطبيب فلاسفة وصفاته تزيد المرض ولا تعالجه.. رحم الله طبيب فلاسفة عابدين دكتور على عبده ومتع دكتور حسام موافى بالصحة وزاد من مريديه ومتابعيه ووفقه لصعود التريند..
------------------------------
بقلم: عبد الغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | حقك وحقهم





اعلان